سورة الغاشية - تفسير تفسير أبي السعود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الغاشية)


        


{وَإِلَى السماء} التي يشاهدونها كل لحظة بالليل والنهار {كَيْفَ رُفِعَتْ} رفعاً سحيق المدى بلا عمادٍ ولا مساكٍ بحيث لا يناله الفهم والادراك. {وَإِلَى الجبال} التي ينزلون في أقطارها وينتفعون بمياهها وأشجارها {كَيْفَ نُصِبَتْ} نصباً رصيناً فهيَ راسخةٌ لا تميلُ ولا تميدُ {وَإِلَى الأرض} التي يضربونَ فيها ويتقلبونَ عليها {كَيْفَ سُطِحَتْ} سطحاً بتوطئةٍ وتمهيدٍ وتسويةٍ وتوطيدٍ حسبما يقتضيهِ صلاحُ أمورِ ما عليها من الخلائقِ. وقرئ: {سُطِّحتْ} مُشدداً وقُرِئتْ الأفعالُ الأربعةُ على بناءِ الفاعلِ للمتكلمِ، وحذف الراجعِ المنصوبِ. والمعنى أفلا ينظرونَ نظرَ التدبرِ والاعتبارِ إلى كيفيةِ خلقِ هذه المخلوقاتِ الشاهدةِ بحقيةِ البعثِ والنشورِ ليرجعُوا عمَّا هُم عليهِ من الإنكارِ والنفورِ ويسمعُوا إنذاركَ ويستعدُّوا للقائِه بالإيمانِ والطاعةِ. والفاءُ في قولِه تعالى: {فَذَكّرْ} لترتيبِ الأمرِ بالتذكيرِ على ما ينبىءُ عنه الإنكارُ السابقُ من عدمِ النظرِ أي فاقتصرْ على التذكيرِ ولا تلحَّ عليهم ولا يُهمنَّكَ أنَّهم لا ينظرونَ ولا يتذكرونَ. وقولُه تعالى: {إِنَّمَا أَنتَ مُذَكّرٌ} تعليلٌ للأمرِ. وقولُه تعالَى: {لَّسْتَ عَلَيْهِم} تقريرٌ لهُ وتحقيقٌ لمَعْنى الإنذارِ أي لستَ بمتسلطٍ عليهم تجبرُهم على ما تريدُ كقولِه تعالى: {يَقُولُونَ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ} وقرئ بالسينِ على الأصلِ بالإشمامِ، وقرئ بفتحِ الطاءِ قيلَ: هي لغةُ بني تميمٍ فإنَّ سيطرَ عندهم متعدَ ومنه قولُهم: تسيطرُ. وقولُه تعالَى: {إِلاَّ مَن تولى وَكَفَرَ} استثناءٌ منقطعٌ أي لكِنْ من تولَّى منهم فإنَّ لله تعالَى الولايةَ والقهرَ.


{فَيْعَذّبُهُ الله العذاب الأكبر} الذي هُو عذابُ جهنمَ وقيلَ: استثناءٌ مُتَّصلٌ من قولِه تعالَى: {فَذَكّرْ} أي فذكرْ إلاَّ من انقطعَ طمعُكَ من إيمانِه وتولَّى فاستحقَّ العذابَ الأكبرَ وما بينهما اعتراضٌ ويعضدُ الأولَ أنه قرئ: {أَلاَ} على التنبيهِ. وقولُه تعالى: {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ} تعليلٌ لتعذيبِه تعالَى بالعذابِ الأكبرِ أيْ إنَّ إلينا رجوعَهُم بالموتِ والبعثِ لا إلى أحدٍ سوانا لا استقلالاً ولا اشتراكاً. وجمعُ الضميرِ فيه وفيما بعدَهُ باعتبارِ مَعْنى مَنْ كما أنَّ إفرادَهُ فيما سبقَ باعتبارِ لفظِها. وقرئ: {إيَّابَهُم} على أنَّه فِيْعَالٌ مصدرُ فَيْعَلٍ من الإيابِ، أو فِعَّالٌ من أَوَبَ كفِسَّارٍ من فَسَرَ ثمَّ قيلَ: إِيْوَاباً كدِيُوَانٍ في دِوَّانٍ ثُمَّ قُلبتْ الواوُ ياءً فأدغمتِ الياءُ الأُولى في الثانيةِ {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} في المحشرِ لا على غيرِنا وثُمَّ للتراخِي في الرتبةِ لا في الزمانِ فإن الترتبَ الزمانيَّ بين إيابِهم وحسابِهم لا بينَ كونِ إيابِهم إليهِ تعالَى وحسابِهم عليهِ تعالى فإنَّهما أمرانِ مستمرانِ. وفي تصديرِ الجملتينِ بأنَّ وتقديمُ خبرِها وعطفُ الثانيةِ على الأُولى بكلمةِ ثُمَّ المفيدةِ لبعدِ منزلةِ الحسابِ في الشدةِ من الإنباءِ عن غايةِ السخطِ الموجبِ لتشديدِ العذابِ ما لا يَخْفى.
عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قرأَ سورةَ الغاشيةِ يحاسبُه الله تعالى حساباً يسيراً».

1 | 2